وسائل جديدة لحفظ حقوق الملكیة لسكان المناطق المتبقّین والمهجّرین خبير: لا توجد طریقة لتمثیل الوضع العمراني السابق سوى العودة إلى الصور الفضائیة لهذه المناطق قبل تأثرها بظروف الأزمة

    لم یعُد خافیا على أحد حجم الضرر العمراني الكبیر الذي خلّفته الأزمة في مناطق مخالفات البناء العشوائیة حول مدن دمشق وحلب وحمص وغيرها، ما یتطلّب حالیاً وبإلحاح ضرورة التوجّه إلى معالجات جدیدة في تلك المناطق مغایرة لتلك التي اتبعت سابقاً وأثبتت عدم جدواها، إذ انتهجت قبل الأزمة سیاسات مختلفة لمعالجة لهذا النوع من المخالفات اقتصرت على تنظیمها بطریقة التهذیب بوضع مخططات تنظیمیة هیكلیة تلائم وضعها الراهن، وساعدت هذه المخططات التنظیمیة على تثبیت شبكات الطرق المتروكة وتخصیص الفسحات والقطع غیر المبنیة لتكون مواقع لمدارس أو مشیّدات عامة لتخدیم سكان المنطقة المخالفة، ولكنها لم تمكِّن السكان والوحدات الإداریة من إعادة إعمار تلك المناطق لعدم معالجة الملكیات العقاریة وتثبیتها، ما جعل إمكانیة ترخیص أبنیة حدیثة في مواقع البناء العشوائي مستحیلة، فبقیت تلك المناطق على وضعها العشوائي والمخططات التنظیمیة خطوطاً على ورق.

    استمرّت هذه المعالجات أربعة عقود دون أن یتمّ التطرّق إلى الأمور العقاریة وطرق انتقال الملكیات وتسجیلها في هذه المناطق، وكانت وثیقة التملك في أكثر الحالات هي عملیة التسلیم والاستلام حسب الوضع القائم، وخلّف هذا الوضع مشكلات فنیة وقانونیة واجتماعیة كبیرة، تتمثل حالیاً بكیفیة إعادة المهجّرین إلى المساكن الجدیدة التي ستبنى في مواقع الأبنیة التي شغلت منهم لسنوات قبل الأزمة، وذلك لعلّة عدم توفر الحدّ الأدنى من الوثائق التي تثبت حیازاتهم السابقة المنهارة.

     

    تعقيد عقاري

    لم یكن موضوع معالجة التعقید العقاري الذي نشأ في مناطق السكن العشوائي قبل الأزمة بعقود سواء ما یتعلق منه بالأرض التي قامت علیها المساكن المخالفة، أم بالمساكن المخالفة نفسها غائباً عن الجهات الوصائیة، وكان الاقتراح المتداول منذ أوائل الثمانینيات یتمثل بإعادة عملیة تحدید وتحریر مناطق المخالفات العشوائیة واعتبار الشاغل غیر المستأجر مالكاً مفترضاً تحتاج ملكیته إلى تثبیت قضائي من القاضي العقاري، وهنا يبيّن الدكتور المهندس حسام صفدي /الخبير في الدراسات والاستشارات الهندسية/ أن هذا الحل وأي حل قانوني آخر من أجل تثبیت الملكیات القائمة على الطبیعة يحتاج إلى مخططات مساحیة عقاریة، وإلى إمكانات تقنیة سواء بالنسبة للمعدات أو العتاد أم لجهة الموارد البشریة الاختصاصیة، لذا كان یجابه دوماً بالتأجیل إلى أن أصبحت التجمعات العشوائیة تشكّل كیاناً أساسیاً في المكوّنات العمرانیة للمدن السوریة الكبرى، وحینها أعید فتح الملف القدیم بمسمّى إعادة عملیة تحدید العقارات المبنیّة، وصدر القانون رقم 33 لعام 2008 الذي لم تعدّل إجراءاته من إجراءات التحدید والتحریر الصادرة بالقانون 186 لعام 1926 سوى ما تعلّق بتنصّل مدیریة السجل العقاري (دائرة المساحة) من إجراءات المسح الفني على الطبیعة وتركه للعاملین بالوحدات الإداریة تحت إشرافها، مشيراً لـ”البعث” إلى أنه مضى عدة سنوات على صدور هذا القانون وحتى تاریخه لم تتم إعادة تسجیل أية منطقة سكن عشوائي بعد، ولیس في الأفق القریب إمكانیة لأي مثال حي ینجز وفق القانون.

     

    لم تكن ناجعة

    لم تكن طریقة المعالجة السابقة لمناطق السكن العشوائي ناجعة لأسباب كثیرة لخّصها صفدي الذي سبق له أن شغل منصب وزير الإسكان والمرافق، أهمّها أنها اعتمدت على الطرق الكلاسیكیة القدیمة في المسح الفني التي تحتاج إلى الوقت الطویل والجهد العضلي المضني والید العاملة القدیرة، نظراً لكثافة الأبنیة وتقاربها ولاعتماد العمل على القیاسات الیدویة، بالإضافة إلى الإجراءات القانونیة والإداریة المكتبیة الطویلة لعملیة التسجیل الذي یحتاج إلى تقنیة أكبر من تقنیة المسح الطبوغرافي الكلاسیكي المعمول به، وإلى مرونة في إدارة إعادة التسجیل تجتمع فیها السرعة مع الكفاءة المقبولة، وإلى سرعة في إنجاز العمل لإعادة المهجّرین إلى مناطقهم بما أمكن من السرعة.

    مرونة
    وأوضح صفدي أن إدارة المنظومة العقاریة المتعلقة بالملكیة العقاریة بعد الأزمة في مناطق السكن العشوائي قانونیاً وفنیاً تحتاج إلى آلیة متقدمة، وتشریع جدید یوفّر التقانة والمرونة، ویمكِّن الوحدات الإداریة من السیطرة الأمنیة والعمرانیة على مناطق السكن ضمن حدودها الإداریة، ویحفظ حقوق الملكیة لسكان المناطق المتبقین والمهجّرین حیث عانى ویعاني المالكون من عدم التمكّن من الحصول على أضعف وثیقة تثبت ملكیة المساكن غیر النظامیة المشغّلة منهم، معتبراً أن قبول الحیازات التي كانت قائمة كوضع راهن لمناطق السكن العشوائي المتأثرة بالأزمة، والاعتراف بها رسمیاً یشكلان واقعاً قائماً یجب التعاطي معه بسرعة ودقة عالیتین، لإعادة إسكان المهجّرین التي أزیلت مساكنهم بمساكن جدیدة تتوفر فيها الشروط الفنیة والصحیة، مؤكداً أنه ليست هناك طریقة لتمثیل الوضع العمراني السابق سوى العودة إلى الصور الفضائیة لهذه المناطق قبل تأثرها بظروف الأزمة.

    ومن الناحیة القانونیة أوضح صفدي أن هذا الأمر يستلزم التفكیر بإیجاد أسلوب خاص وتقنیة تتّصف بالسرعة والشمولیة تكون ردیفاً للتسجیل العقاري النافذ بمناطق العشوائیات، مبيّناً أنه سبق أن تم إصدار تشریع خاص (المرسوم التشریعي رقم 82 لعام 2010 وقبله القانون 14 لعام 1974) لتسجیل مساكن ووحدات سكنیة لا أساس لها على الواقع، ولكنها ستكون ضمن أبنیة ستشيّد مستقبلاً. وسمّي هذا التشریع تسجیلاً مؤقتاً أوجبته حالة خاصة وذلك للحفاظ على حقوق مشتري المساكن وفق مخططات الترخیص تفادیاً لتملیك المسكن لأكثر من جهة قبل إنجازه وتسجیله بالسجل العقاري النظامي الذي لا یعترف إلا على العقارات المبنیة.

     

    مقترح

    انطلاقاً من المرونة المطلوبة ومنطلق الواقع المفروض اقترح صفدي نظاماً مشابهاً للتسجیل المؤقت يرتبط بالوحدة الإداریة قبل نقله إلى السجل العقاري الدائم من جهة، وصالحاً لإیصال كل من المالك المفترض والعقار التائه والوحدة الإداریة المعانیة إلى حقوقهم من جهة ثانية، نظاماً یلبّي متطلبات المهجّرین ویحافظ على حقوق كل الجهات المعنیة عامة كانت أم أفراداً، موضحاً أن فكرة الحل المقترح تتمثل بالتصویر الجوي ونظام المعلومات الجغرافي وبرامج المساقط العمرانیة، بحيث يعتمد على تحدید الحدود الخارجیة للمباني القائمة قبل وبعد تعرّضها للانهیار في منطقة العشوائیات بشكل أوتوماتیكي، وقراءة الصور الجویة الحدیثة والقدیمة وذلك من أجل وضع المخطط العقاري الأولي لحدود مسقفات المنطقة ومسارات وحدود ومواد إنشاء الطرق المخدIمة وتسجیلها عن طریق نظام المعلومات الجغرافي تمهیداً لتملیكها وفق مخططات مؤقتة معتمدة رسمیاً، على أن یطلب من المالكین في الكتلة وطبقاتها المتعدّدة تقدیم تصوّرات وضع راهن لمساقط الوحدات السكنیة المشغّلة منهم سابقاً، مبیّناً علیها حدود الملكیات المفترضة، ویكون ذلك وفق استمارة أعدّت لهذا الغرض، ویتم ربط موقع الكتلة مع مخططات الوحدات السكنیة وفق برنامج نظام المعلومات الجغرافي، ویقدّم النظام جميع المعلومات الضروریة المتعلقة بالمالكین والملكیة المرتبطة بموقع وحدود الكتلة من جهة وبمسقط الوحدات والشقق السكنیة في طبقات الكتلة من جهة أخرى.

     

    حل سريع

    واعتبر صفدي أن أصعب ما في الموضوع هو إیجاد الحل التقني السریع والمرن الذي سیمكِّن الجهة الفنیة من وضع المخطط العقاري للأبنیة القائمة بیسر وحذاقة. وهذا الحل توفّره تقانة استخدام الصور الفضائیة التي تسمح بوضع الأبعاد والأشكال الخارجیة لأیة منشأة في مكانها الطبیعي دون اللجوء إلى القیاسات الیدویة الحقلیة الشدیدة الصعوبة في أحوال البناء العشوائي الكثیف القائم أو إلى الاجتهاد غیر المقبول في أحوال البناء المزال..

     

     

    حسن النابلسي

     

    معرض الصور

    • Damfairs1
    • jquery slider
    • 11_0.jpg
    • facit
    • fascul
    wowslider by WOWSlider.com v8.7

    المناطق العقارية